الجمعة، 9 أكتوبر 2015

||<> ‫#‏فكر_وأدب‬ ||<> "المذاهب والمتمذهبون" ميخائيل نعيمة <>||




أنتم في عالم مُرهَفِ الظّفر والنّاب، متوتِّر الحسِّ والأعصاب، واسع البطن، ضامر الصّدر، حسير البصيرة والبصر، أزغب الفكر والخيال.

هو عالم الإنسان المتهالك على الأوشال، وفي قبضته البحار؛ وعلى فِتْر من التّراب، وله الأرض بقطبيها؛ وعلى بصيص من النّور، والشّمس والقمر والنّجوم في ناظريه؛ وعلى نسمة من الهواء، وأنفاس الفضاء الأوسع تمرح في حنايا ضلوعه.
وأنتم من هذا العالم في بقعة صغيرة جرَفتْ إليها الأيَّامُ منذ القِدَم – وما تزال تجرف – كلَّ ما اسودَّ من رغبات القلب البشريّ وما ابيضَّ، وكلَّ ما دبَّ على الأرض من أفكار النّاس وحلَّق في الجوِّ من أشواقهم.

فكم غازٍ غزاها فتملَّكتْه وما تملَّكها. وكم فاتح جاءها فَطَوَتْهُ من قبل أن يحظى بمفتاحها. وكم من نبيٍّ شعَّ نورُه من جبينها، ورسول أذاع الحقَّ بلسانها. فكأنَّ القدرة الّتي جعلتْها من الأرض قلبَها، ومن السّماء قارورةَ طيبها، ما كوَّنتْها كذلك إلاَّ لتكون فتنةً للغزاة والفاتحين، لعلَّ أرواحَهم تتضمَّخ بطيب روحِها،
 
وقلوبَهم تتجمَّل بجمال قلبها؛ ولعلَّهم إذْ ذاك يدركون أنّ السّيف مفتاح الجحيم، وليس مفتاح الجنَّة، وأنّ المدفع نذير الفناء، لا بوق البقاء، وأنّ خيرات التّراب لكلِّ أبناء التّراب: مَنْ طَمِعَ منها بأكثر مِنْ نصيبه خَسِرَ نصيبَه، ومَن أباحها لنفسه وحرَّمها على سواه حرمتْه الحياةُ أشياء كثيرة أباحتْها لسواه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق