الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

||<> عازف اللّيل ||<> إلى شباب فلسطين <>||


آن، وربّ الكعبة، أوانها وحنّ الفؤاد لحين حينها!
هي يمنيّة الأصل، تونسيّة المذاق، جزائريّة العبق، سوريّة الأريج، تركيّة القدّ، عربيّة الرّوح...

يحملني عبيرها على متن المجد الأثيل(*)، متسربلا بعتمة اللّيل الصّيفيّ الباريسيّ، أمتطي صهوة جواد عربيّ حرّ، فيطير بي كالبراق، يتتبّع الخطو كتتبّع الخيط لغرز الإشفى (**)!

لماذا سمّوك قهوةً (***) عربيّةً؟ ألم يجدوا غير اسم من أسماء الخمرة حتّى يسمّوك بها؟ أم تراهم عرفوا سرّك قبل أن نعرف نحن خبرك؟

إن كان لا بدّ من نشوة لهذه القهوة العربيّة، فإنّي لأرجو أن يتتبّع البراقُ بريق الصّواريخ الّتي تنطلق من فلسطين إلى فلسطين، أريد أن يحطّ بي الرّحال حيث الرّجال، أريد أن أهب قهوتي لمقاوم فلسطينيّ في عتمة اللّيل، قرب غزة، وتحت غزّة، وفوق غزّة...

لا أريد أن أحتسي قهوتي بمفردي. أريد مشاركتها رشفة رشفة مع مقاومي عالم الطّغيان هذا.
أريد أن أرى أولئك الرّجال، أريد أن أسقيهم ماءًا باردًا ثجّاجًا. أريد أن أضمّهم وألثم ثيابهم الممزّقة.

 أريد أن أسهر مع جرحاهم وأعيرهم نومي الّذي يزيد عن حاجتي. أريد أن أشاهدهم في الأنفاق الغزّويّة الأسطوريّة.

 أريد أن أهبهم هواء رئتيّ كي يتنفّسوا الأوكسجين الّذي لم يختلط بقطران الذّلّ.

 أريد أن أعطيهم من دمي الّذي لم يتلوّث بثاني أوكسيد الهوان.
 أحبّ أن أتمرّغ كالطّفل العابث بالتّراب الّذي يمشي عليه مقاومو فلسطين.
يا لها من قهوة عربيّة مسكرة.

 ما جربتُ والله أبدا السّكْر بالخمر، ولن أفعل غير أن للسّكر بالقهوة العربيّة... نشوة الدّهرين: دهر للعرب وفي صحاريهم أكداس اللّجين(****)، ودهرٌ للعرب وقف بهم الزّمان من أجل خيار بين النّجدين: إمّا نصر في أرض أولى القبلتين، وإمّا ذلٌّ سيبلغ عارهُ سكّان الفرقديْن (*****)!!



(*) أثيل : كلّ ما له أصلٌ قديم.

(**) الإشفى: هي إبرة الإسكافي السميكة التي بخيط بها الجلد والأحذية.

(***) قهوة: اسم من أسماء الخمرة عند العرب، ثم أطلق على البنّ المعروف.

(****) اللُّجيْن: الفضة وكلّ معدن نفيس.

(*****) الفرقدان: نجمان في السّماء لا يغرُبانِ ولكنّهما يطوفان بالجدي، وقيل: هما كوكبان قريبان من القُطْب، وقيل: هما كوكبان في بنات نَعْش الصّغرى. يقال: لأَبْكِيَنَّكَ الفَرْقَدَيْن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق