الاثنين، 12 أكتوبر 2015

||<> ‫#‏أقولها_وأمضي‬ ||<> مفاتيح لنجاح التّواصل الاجتماعيّ... <>||




إنّ الثّورة المعلوماتيّة والمعرفيّة الّتي بدأت منذ عشرين عاما تقريبا، أضافت بعدا جديدا للعلاقات الإنسانيّة. هذا البعد الجديد هو توفير فرصة الاتّصال عبر الشّبكة العالميّة، بما أتاح لكلّ إنسان أن يكون في صلة ما مع الآخرين.

 هذه الصّلة الّتي هي الاتّصال لا تعني وجود التّواصل، ولكنّها تعني إمكانيّة وجود هذا التّواصل بسهولة ويسر، مع توفّر أكداس من المعلومات لم تكن في متناول هذا العدد من النّاس فيما مضى.

وأعدّد هنا جملة من المفاتيح الّتي تبدو لي، من وجة نظري الخاصّة، أساسيّة لنجاح الاتّصال والتّواصل الاجتماعيّ.

المفتاح الأوّل: الاتّصال شيء والتّواصل شيء آخر. يوجد فرق أساسيّ بين الاتّصال والتّواصل، وكثير من النّاس يخلطون بين الأمرين خلطا يؤدّي إلى الغلط في كيفيّة التّعاطي مع الشّبكة.

 فالاتّصال هو توفّر داعمة شبكيّة تيسّر الاطّلاع على منشورات واختيارات وآراء الغير. أمّا التّواصل فهو تلك العلاقة التّبادليّة التّفاعليّة الّتي تنشأ بعد الاتّصال، ويكون فيها أخذ وعطاء ومقابلة ولقاء، ومناقشة وبناء، وذلك حين تتأكّد المصلحة المشتركة والهمّ المشترك.

وربّما تحدث المشاكل العديدة حين يظنّ طرف ما أنّ مجرّد وجود الاتّصال معناه التّواصل، والأمر ليس كذلك. كما يجدر التّنويه هنا إلى أمر كثير الحدوث: أنّ الشّبكات الاجتماعيّة ومتابعة منشوراتها يتمّ بطريقة عرضيّة على الأعم الأغلب.

وكثيرون هم من يوجّهون اللّوم والتّقريع لكون فلان أو فلان لم يقرأ منشورا مهمّا، أو خبر نجاح أو وفاة، أو مقالة أو محاولة أدبيّة، ويبنون على ذلك موقفا أخلاقيّا. والحقيقة أنّ قراءة ومتابعة المنشورات تخضع لحساب افتراضيّ تزن فيه الصّدفة الوزن الأثقل.

 فالنّاس لا يستخدمون أبدا المواقع الشّبكيّة الاستخدام ذاته، وهنالك من يكتفي فقط بالنّشر، كما يوجد من يستخدم المواقع الاجتماعيّة كتسلية، وتعدّد أنماط الاستخدام هي السّبب وراء عدم قراءة المنشورات من طرف جميع النّاس، أو عدم الرّد على التّعليقات ونقر الإعجابات وغير ذلك. فوجب التّنويه.


المفتاح الثّاني: نقد الفكرة شيء وانتقاد ذات الشّخص شيء آخر: يوجد خلط رهيب لدى العديد من المبحرين في الشّبكات الاجتماعيّة، وعديد الكتّاب أيضا، وذلك حيال نقد الفكرة ونقد الشّخص الّذي يحمل الفكرة.

 فكثيرون آولئك الّذين لا تعجبهم فكرة، فبدل أن يعبّروا عن اعتراضهم مبيّنين ومسوّغين وشارحين، تراهم يبادرون إلى مهاجمة الشّخص صاحب الفكرة، متّهمين إيّاه بشتّى التّهم الباطلة، فقط لأنّ فكرته لم تعجبهم، دون أن يبيّنوا تحليليّا ومنطقيّا وبأدلّة وبراهين وقرائن، لماذا هم يرفضون تلك الفكرة.

 وإنّما أكثر من يقع في هذا الخلط ذوي العقول السّطحيّة، والنّفوس ذات الآفاق الضّيّقة أو المعدومة، ولا علاقة لذلك بالتّعليم والشّهادات، فأنا لا أؤمن بذلك ولا أرى أنّ الشّهادات العلميّة ضامنة لأيّ شيء عدا المعلومات والمعارف.
 ويزداد الطّين بلّة حين يتترّس هذا النّمط من النّاس خلف الآيات والأحاديث والأحكام الدّينيّة، في مسعى لتلبيس حقيقة العجز عن نقد الفكرة بطريقة منطقيّة تحليليّة تركيبيّة.

المفتاح الثّالث: عمليّة النّقد شيء... والسّبّ والشّتم والدّناءة شيء آخر. يخلط عدد من مرتادي المواقع الاجتماعيّة، ممّن لا يملكون القدرة على التّميّيز، بين النّقد والسّبّ والشّتم. ولذلك، حين ترفض كلامهم البذيئ وأسلوبهم الفظّ، وطريقتهم الدّنيئة في النّقد، يتّهمونك حالا بأنّك: متصلّب لا يقبل النّقد، وتدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة.

ولأنّه لا أحد من البشر يملك الحقيقة بكاملها، فلا بدّ من التّنويه هنا، أنّه ليس كلّ نقد يمكن أن يسمّى نقدا، كما أنّ ما يكون نقدا لا يمكن قبوله كلّه إلّا بدليل وحجّة وبرهان.
 ليس من السّهل على الإنسان أن يغيّر فكرته فقط لمراعاة مزاج فلان أو علّان، أو لأنّ تلك الفكرة يؤمن بها غالبيّة النّاس، إنّما تغيير الأفكار يحتاج إلى قوّة عقليّة ومنطقيّة وصفاء سريرة روحيّة، وإخبات وخشية إيمانيّة.

المفتاح الرّابع: الحبّ الأنانيّ لذات المحبّ شيء... والحبّ لذات المحبوب شيء آخر. كثيرون أولئك الّذين يتعلّقون بالأشخاص تعلّقا مرضيّا، فتراهم يخلطون بين الحبّ الأنانيّ الّذي من خصائصه رغبة جامحة في تملّك المحبوب، والاستئثار به واستخلاصه لأنانيّة المحبّ، حتّى أنّه لا يرى محبوبه إلّا مجرّد دمية له يفعل بها ما يريد، ويتخيّل محبوبه كما يريد وكما يشتهي، ويخلع عليه اللّبوس الوهميّة والقداسة الصّنميّة، فلا يتخيّله إلّا خاليا من كلّ عيب، مثاليّا، لا يأتيه الخطأ من بين يديه ولا من خلفه، فتراه يبرّر له كلّ صنيع، ويشفع له كلّ عثرة.

 وعندما يقوم المحبوب بصدّ هذا النّوع من المحبّين، ينقلب الوضع إلى نقيضه بالتّمام، فالشّخص الّذي كان صنما معبودا يصير في نظر من يحبّه إلى إنسان منحطّ، فاشل، دنيء... أمّا الحبّ لذات المحبوب أي للغير، فهو حبّ هادىء هادف، لا يرمي المحبّ من ورائه إلّا لمحبّة الفكرة والطّريقة والرّؤية المشتركة الّتي يراها المحبوب، وتراه يحرص على نصحه حين يخطئ أو يسقط، ويتفهّم بعض مبالغاته دون أن يقبلها أو يضخّمها، ويراه دوما من زاوية إنسانيّة إيجابيّة في محاسنه، ويعبّر له عن العتاب المحترم حين يراه قد حاد عن جادّة الصّواب.

 وهذا النّوع الثّاني من المحبّة هو الأدوم والأبقى والأصوب والأنقى. فكلّ إنسان يؤخذ منه ويردّ، وتنبني العلاقات الواقعيّة والافتراضيّة على هذا الأساس المتين.
 وكثيرا ما لا تنقطع العاطفة الجيّاشة الإنسانيّة من هذا النّوع من البشر رغم تباعد المسافات والأوقات. كما أنّ الكتّاب وأصحاب الأسماء المشهورة يبغضون في العموم أولئك الّذين يعبّرون عن حبّهم الأنانيّ المبتذل، والعجب كيف يواصل هؤلاء حبّ مبغضيهم.

المفتاح الخامس: علاقات المصالح الماديّة شيء... وعلاقات الأفكار الرّوحيّة شيء آخر... حين يتّصل النّاس بعضهم ببعض، ثمّ يتواصلون، ويلتقون، يكون الاشتراك دوما في شتّى أنواع المصالح، منها المصالح الماديّة الخدماتيّة أو التّجاريّة أو العلائقيّة، ومنها المصالح الفكريّة الرّوحيّة الإنسانيّة.

 وليس بين هذين النّوعين من المصالح أيّ عيب. فالحجّ مثلا هو ركن من أركان الإسلام، ومع ذلك يأتي النّاس للحجّ، وللتّجارة، وهو أمر إنسانيّ بامتياز.
المشكلة الكبرى الّتي ابتلينا بها في زماننا، هي غياب الصّدق في العلاقات. فكثيرون هم أولئك الّذين تكون حقيقة رغبتهم من إجراء الاتّصال والتّواصل، هي المصالح المادّيّة الصّرفة.

وهي أمر مشروع ولا نقاش في ذلك أبدا. إنّما المدخل الّذي يختارونه لإجراء المصلحة المادّيّة، هو مدخل خاطئ. فترى العديد من النّاس، يؤسّسون العلاقات، وحين يتأكّدون أنّ المصلحة المادّيّة الّتي تأسّست عليها تلك الرّغبة لن تتوفّر، يقطعون الصّلة وينصرفون غاضبين. وقد حدث لي هذا في أمثلة كثيرة، من طرف أناس كانوا لا ينقطعون عن قراءة المنشورات والتّعليق، ثمّ طلبوا خدمة محدّدة، فلمّا اعتذرت عن تلبيتها لعدم القدرة، انصرفوا فجأة وإلى غير رجعة، والله الهادي إلى سواء السّبيل.


||<> بقلم ‫#‏بشير‬ العبيدي ||<> ‫#‏ذو_الحجّة‬ 1436 <>||

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق